سورة التوبة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون ما لا ينبغي، فقال بعضهم: لا تفعلوا، فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا. فقال الجُلاس بن سُوَيْد منهم: بل نقول ما شئنا، ثم نأتيه فننكر ما قلنا، ونحلف فيصدقنا بما نقول، فإنما محمد أُذُنٌ أي: أذن سامعة، يقال: فلان أُذُنٌ وأُذْنَةٌ على وزن فُعْلَة إذا كان يسمع كل ما قيل له ويقبله. وأصله من أذن يأذن أذنا أي: استمع. وقيل: هو أذن أي: ذو أذن سامعة.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحارث، وكان رجلا أذلم، ثائر شعر الرأس، أحمر العينين، أسفع الخدين، مشوَّه الخلقة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث»، وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين، فقيل له: لا تفعل، فقال: إنما محمد أذن فمن حدَّثه شيئًا صدقه، فنقول ما شئنا، ثم نأتيه ونحلف بالله فيصدقنا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} قرأه العامة بالإضافة، أي: مستمع خير وصلاح لكم، لا مستمع شر وفساد. وقرأ الأعمش والبُرْجُمِيّ عن أبي بكر: {أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} مرفوعين منونين، يعني: أن يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل قولكم، ثم كذبهم فقال: {يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ} أي: لا بل يؤمن بالله، {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: يصدق المؤمنين ويقبل منهم لا من المنافقين. يقال: أمنته وأمنت له بمعنى صدقته. {وَرَحْمَةٌ} قرأ حمزة: {ورحمة} بالخفض على معنى أذن خير لكم، وأذن رحمة، وقرأ الآخرون: {ورحمة} بالرفع، أي: هو أذن خير، وهو رحمة {لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} لأنه كان سبب إيمان المؤمنين. {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.


{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} قال قتادة والسدي: اجتمع ناس من المنافقين فيهم الجلاس بن سويد، ووديعة بن ثابت، فوقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير، وكان عندهم غلام من الأنصار يقال له عامر بن قيس، فحقروه وقالوا هذه المقالة، فغضب الغلام وقال: والله إن ما يقول محمد حق وأنتم شر من الحمير، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدعاهم وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفوا أن عامرا كذاب. وحلف عامر أنهم كذبة فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عامر يدعو ويقول: اللهم صدِّق الصادق وكذِّب الكاذب فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل والكلبي: نزلت في رهط من المنافقين تخلّفوا عن غزوة تبوك، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوه يعتذرون إليه ويحلفون، فأنزل الله تعالى هذه الآية {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ}.
{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يخالف الله ورسوله أن يكونوا في جانب واحد من الله ورسوله، {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} أي: الفضيحة العظيمة.
{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ} أي: يخشى المنافقون، {أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} أي: تنزل على المؤمنين، {سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي: بما في قلوب المنافقين من الحسد والعداوة للمؤمنين، كانوا يقولون فيما بينهم ويُسرون ويخافون الفضيحة بنزول القرآن في شأنهم.
قال قتادة: هذه السورة تسمى الفاضحة والمبعثرة والمثيرة، أثارت مخازيهم ومثالبهم.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنزل الله تعالى ذكر سبعين رجلا من المنافقين بأسمائهم وأسماء آبائهم ثم نسخ ذكر الأسماء رحمة للمؤمنين، لئلا يعير بعضهم بعضا، لأن أولادهم كانوا مؤمنين.
{قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ} مظهر {مَا تَحْذَرُونَ}.
قال ابن كيسان: نزلت هذه الآية في اثني عشر رجلا من المنافقين، وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على العقبة لما رجع من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا علاها، ومعهم رجل مسلم يخفيهم شأنه، وتنكروا له في ليلة مظلمة، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدَّروا، وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم، وعمار بن ياسر يقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته، وحذيفة يسوق به، فقال لحذيفة: اضرب وجوه رواحلهم فضربها حتى نحاها، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحذيفة: من عرفت من القوم؟ قال: لم أعرف منهم أحدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإنهم فلان وفلان حتى عدَّهم كلهم، فقال حذيفة: ألا تبعث إليهم فتقتلهم؟ فقال: أكره أن تقول العرب. لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم، بل يكفيناهم الله بالدُّبَيْلَة».
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنبأنا عبد الغافر بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن قيس بن عبادة قال: قلنا لعمار: أرأيت قتالكم أرأيا رأيتموه؟ فإن الرأي يخطئ ويصيب، أو عهدا عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في أمتي- قال شعبة وأحسبه قال: حدثني حذيفة قال في أمتي- اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها، حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة، سراج من النار يظهر في أكتافهم، حتى ينجم من صدورهم».


قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} الآية، وسبب نزول هذه الآية على ما قال الكلبي ومقاتل وقتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير في غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة نفر من المنافقين، اثنان يستهزئان بالقرآن والرسول، والثالث يضحك.
قيل: كانوا يقولون: إن محمدا يزعم أنه يغلب الروم ويفتح مدائنهم ما أبعده من ذلك!
وقيل كانوا يقولون: إن محمدا يزعم أنه نزل في أصحابنا المقيمين بالمدينة قرآن، وإنما هو قوله وكلامه، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ فقال: احبسوا علي الركب، فدعاهم وقال لهم: قلتم كذا وكذا، فقالوا: إنما كنا نخوض ونلعب، أي كنا نتحدث ونخوض في الكلام كما يفعل الركب لقطع الطريق بالحديث واللعب.
قال عمر فلقد رأيت عبد الله بن أبي يشتد قدام رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكبه وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، ما يلتفت إليه ولا يزيد عليه.
قوله تعالى: {قُلْ} أي: قل يا محمد {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ} كتابه، {وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14